هل يمكن لماكينة أن تنقذ حياة إنسان؟ أو بدقة أكثر: هل يمكن لخوارزمية أن تُشخّص، تُعالج، تُقيّم، بل وربما تُقرر مستقبل مريض؟ في مصر، تتصاعد وتيرة هذا السؤال يومًا بعد يوم، وسط سباق متسارع لإدخال الذكاء الاصطناعي في صميم النظام الصحي. فهل ما نشهده هو ثورة تقنية طبية تعِد بعصرٍ جديد، أم أنها مغامرة مكلفة بنتائج غير متوقعة؟
خلفية: حين يصافح الذكاء الرقمي قلب الطب المصري
الرعاية الصحية في مصر لم تكن دومًا سريعة أو دقيقة. الطوابير الطويلة. الأخطاء الطبية. نقص الموارد. لكن هناك تحول واضح: المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة بدأت تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجالات مثل الأشعة وتحليل البيانات الحيوية.
بحسب تقرير Statistic، من المتوقع أن يصل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية عالميًا إلى أكثر من 45 مليار دولار بحلول عام 2026. ومصر ليست بمعزل. ففي عام 2023 وحده، تم إطلاق 4 مشاريع تجريبية تعتمد على تحليل الأشعة بالذكاء الاصطناعي في مستشفيات القاهرة الكبرى.
المخاوف الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تتمحور حول خطر تسرب البيانات. هذا يشمل جميع أنواع تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأنها تعتمد بشكل أساسي على كميات ضخمة من المعلومات. وهناك أيضًا احتمال أن يتم اعتراض البيانات أثناء نقلها. من أجل VeePN من الضروري اتخاذ تدابير أمان إضافية. على سبيل المثال، يُنصح بتحميل تطبيقات VPN لأجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية لتفعيل تشفير البيانات. كثيرًا ما يوصي المستخدمون تطبيقات VeePN VPN، حيث تُعد أداة آمنة وموثوقة عند التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتطلب استخدام البيانات الشخصية.
التشخيص: دقة تتفوق على البشر؟
واحدة من أبرز التطبيقات كانت في قسم الأشعة. نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي تمكن من تحليل صور أشعة لصدر المرضى بسرعة ودقة تفوقت – في بعض الحالات – على الأطباء. في دراسة داخلية أجرتها وزارة الصحة على عيّنة من 500 حالة، بلغت دقة النظام 92% مقارنة بـ 89% للطبيب البشري في تحديد مؤشرات السرطان في صور الأشعة.
لكن ماذا عن الحالات غير النمطية؟ ما مدى موثوقية الخوارزميات حين تواجه مرضًا نادرًا أو عرضًا غير شائع؟ لا إجابة واحدة. فالخطر يكمن في الاعتماد الكامل. خوارزمية قد “تتجاهل” التفاصيل الإنسانية، تلك التي لا تُسجّل على هيئة رقم أو صورة.
الروبوتات: أطباء بلا مشاعر؟
في بعض المستشفيات الخاصة في مصر، بدأت تظهر أجهزة روبوتية تُستخدم في العمليات الجراحية الدقيقة، خصوصًا في جراحات العمود الفقري. صحيح أن التحكم يكون غالبًا بيد الطبيب، لكن دقة الأدوات ومساعدة الخوارزميات في توجيه الحركة ترفع معدلات النجاح. أحد التقارير المنشورة عام 2024 في Egyptian Journal of Surgery أظهر انخفاضًا بنسبة 30% في مضاعفات ما بعد الجراحة باستخدام هذه التقنيات.
إلا أن بعض الأطباء المصريين يعبرون عن قلقهم. يقول الدكتور هشام ف.، جراح في أحد مستشفيات الجيزة:
“الذكاء الاصطناعي يساعد، نعم، لكنه لا يشعر بالخوف أو القلق أو الحذر. وهذه مشاعر ضرورية عند اتخاذ قرار جراحي حاسم.”
الخصوصية والأمان: من يملك بياناتنا الصحية؟
لنكن واضحين: البيانات هي قلب الذكاء الاصطناعي. فكلما زادت كمية المعلومات، زادت قدرة الخوارزميات على “التعلم”. لكن ماذا عن خصوصية المرضى؟ من يضمن ألا تُستخدم هذه البيانات لأغراض تجارية أو حتى سياسية؟ في مصر، لا يزال الإطار القانوني لحماية البيانات الصحية ضعيفًا، رغم إصدار قانون حماية البيانات الشخصية في 2020. الذين يقدّرون بياناتهم يجب أن يهتموا بحمايتها بأنفسهم، مثلًا من خلال تثبيت VPN للمـاك. فعلى الأقل، لا يمكن القول بنسبة 100% إن تدابير الأمان التي تعتمدها المؤسسات ستكون كافية دائمًا.
وقد حذّرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2022 من “انتهاكات متوقعة” للخصوصية في الدول التي لا تملك بنية تنظيمية قوية، مصر من ضمنها.
الجانب الآخر من العملة: عدالة الوصول
إذا كان الذكاء الاصطناعي باهظ التكلفة، فهل سيستفيد منه الجميع؟ أم أن الفقراء يتلقون رعاية بشرية تقليدية، بينما يستفيد الأغنياء من الطب الذكي؟
هنا تبرز المخاطرة الحقيقية: خلق نظام صحي بطبقتين. تكنولوجيا تُسرّع وتُحسّن حياة البعض، وتترك آخرين وراءها.
منظمة الصحة العالمية تؤكد أن العدالة الرقمية في الرعاية الصحية ستكون أحد أبرز تحديات العقد القادم. في مصر، حيث يعيش أكثر من 27% من السكان تحت خط الفقر، قد تتحول “الثورة الرقمية” إلى حائط جديد الفصل الطبقي.
السوق والتسويق: هل يتحول المريض إلى رقم؟
من اللافت أن شركات التكنولوجيا بدأت تدخل بقوة في التسويق الصحي. “منصة التشخيص الذكي”، “تحليلات المريض لحظة بلحظة”، “خدمة الطبيب الآلي عبر الهاتف”. المصطلحات تسيل لعاب المستثمرين.
لكن أين المريض وسط هذه العاصفة التسويقية؟ هل بات مجرد مستهلك تُحلل بياناته لتحسين الحملات الرقمية؟ هل أصبحت إعلانات الرعاية الصحية أكثر ارتباطًا بالخوارزميات من ارتباطها بالقيم الطبية؟
في دراسة أجراها “المركز المصري للتنمية الرقمية”، تم رصد أكثر من 12 حملة تسويق صحي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2024 تعتمد على الذكاء الاصطناعي في توجيه المحتوى للمستخدمين حسب بياناتهم الصحية السابقة.
النهاية… المؤقتة جدًا
الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية المصرية ليس أبيضًا بالكامل ولا أسودًا تمامًا. هو مزيج حاد من الفُرص والمخاطر.
ثورة؟ نعم. مخاطرة؟ بالتأكيد. الحل؟ أن نبني توازنًا: تقنيًا، إنسانيًا، قانونيًا.
المستقبل لا ينتظر. لكن لا بأس إن تمهلنا قليلًا لنتأكد أن “الذكاء” في هذه الثورة ليس فقط اصطناعيًا… بل إنسانيًا أيضًا.